كان لي زمن من اخر مرة سافرت فيها (9 شهور كده) ويبدو انه خوفي من الطيارات اتضاعف في الوقت ده. بعد قتال مستميت عشان اخد اجازة اسبوعين من الشغل، استلم شهادة الاجازة، إذن السفر، كرت السفر واخيرا تأشيرة الخروج، اتجهت لمطار الخرطوم عشان اركب الطيارة الى عمان. المطار كان مليان لعينه، ووقفت في نهاية الصف اتأمل برعب كمية البشر الواقفين قدامي ووراي وفوقيني وتحتيني وكمية العفش المعاهم اللى مستحيل الطيارة تشيلها وتقوم بيها وبينا من الواطة. فجأة لقيت راجل قدام وشّي ماسك ليه ظرف كده، قال لي انه مدير العلاقات العامة لوزارة منو كده ما عارف، وانه أم وزير الوزارة دي مسافرة ودايرة ليها رفيقة سفر. هل عندي مانع؟ طبعا زي معظم البنات السودانيات وفي تاريخي الحافل مع السفر عبر السنين عادي حكاية يلصقوا فيك مرة كبيرة مسافرة لأولادها أوغيره، وعادة ما عندي معاهم مشكلة غير انه أحيانا بفضل اني أسافر براي. لكن ما حصل رفضت طبعا، والمرة دي برضو وافقت، وفي دقايق كانت اجراءاتي أنا وعفشي انتهت وكنت في طريقي لقاعة الفي أي بي حيث انضميت لرفيقتي. كان وزنها زايد زيادة مبالغ فيها وركبينها منتهيات، لكن يادي المرة دي عندها جنس قدرة على النضمي! اتكلمت بلا انقطاع من اللحظة الاتلاقينا فيها لحدي ما وصلنا عمان، حتى لمن اخدتني نومة في الطيارة في نص قصة بتّها العرّست الراجل الطويل داك الفتح الباب لأخوها وما كان لابس غير هدومو الداخلية وملفوف بملاية، ونسابتها الكانوا قالوا لرجالها ما يسافر بورسودان ويقعد في القضارف السنة ديك وما كان عايز يقعد لكن قعد، وقامت أمه ماتت وأبوه مات وهو زاتو مات ومات أخوه وأخوه التاني وأخوه التالت، والمرّة ديك السافرت لولدها الدكتور في بريطانيا والطيار كان سوداني وعرّفها على واحد تاني سوداني في الطيارة ساعدها في الاجراءات حقت الترانزيت وسلّمها لولدها، وولدها من شدة ما كان شاكر ليه أصرّ إلا يوصّله بيته في مدينة تانية ومرق من البيت الساعة 5 العصر ورجع 3 صباحا. السفرية كانت مثيرة للاهتمام، لكن كل خططي بتاعة انو أبدا شغل في البحث بتاعي أو أحضر لي فيلم فيلمين كده اتبخرت اللحظة الكحلني فيها مدير العلاقت العامة في مطار الخرطوم. ياللا.
رحلة الحاجّات
جزء من مشكلة الحاجّة دي انها كانت ما بتقدر تطلع أو تنزل سلالم أو تمشي لأي مسافة أبعد من 10 أمتار، يحليلها، فكنّا بنطلع وننزل من الطيارة في حاجة زي الرافعة كده. أنا كنت سمعت بيها لكن ما حصل شفتها قبل كده. شكلها كده زي الصندوق الحديدي راكبة في حاجة بترفع وتنزل وبتتلصق في جانب الطيارة بالجهة القصاد البيركبوا بيها باقي الناس، والشبابيك حقتها عالية قريب للسقف فما بتشوف الحتة البرة كويس. الترانزيت كان في دبي وما كان طويل، لكن طبعا الطيارة اتجدعت في أبعد حتة ممكنة في المطار، والمشوار للترمينال كان قريب الربع ساعة. الطيارة كانت مليانة داير تطرشق و80% من الركاب كانوا شفّع، لكن عموما كانوا مأدبين وما كرّهونا حياتنا ما عدا شافع شافعين كدا، وطبعا كنت انا الأنثى الوحيدة فوق عمر ال25 الما شايلة ليها حاجة ولا حاجتين ولا تلاتة في يدها. على أي حال، هبطنا في دبي وساقونا للبتاعة البترفع وتنزل ديك، ودخلوا فيها معانا 3 نسوان، واحدة فيهم لا كبيرة لا حاجة وماخدة راحتها وقاعدة تهظر وتشاغل طيلة المشوار. المرة التانية قعدت جمب رفيقتي وكانت حاجّة مشلخة شايلة ليها كيس بلاستيك وبيبي سغنوني كده، ملبّسنّه ومطقمنّه بالطاقية والشال والقفازات، وكان نايم اخر نومة. يبدو انه البيبي دا كان تبع المرة القاعدة جمبها في الطيارة الكانت اصلا عندها 3 أولاد غيره فقامت اتبرعت تشيله ليها. ما كان عندها اي فكرة المرة التانية دي منو وبس شافتنا داخلين الرافعة دي دخلت بورانا وخلت أم الولد بتحاول تصحي بتها التانية وتمرقها من تحت كرسي الطيارة محل كانت مجدوعة نايمة.
قعدونا وربطونا بالأحزمة، وجانا واحد هندي/باكستاني صغير كده ركب معانا عشان يرافقنا لحدي مباني المطار. المرة اللا كبيرة لا حاجة سألته السواق قاعد وين، وماشين ياتو ترمينال، وأسئلة تانية عامة كده، وبعد داك قالت اننا ماشين في نص الطيارات واحتمال تلقفنا واحدة من الأجنحة (نظام نكتة وكده). الحاجّة المشلخة كانت ماسكة البيبي بعدم اهتمام كده وبتحاول تعاين بالشباك تشوفنا ماشين على وين. يبدو انها كانت قايلة البص دا سايقنا لدبي طوالي وهي ما عارفة بيت ولدها الماشة ليه بي وين.
“البص دا ماشي وين؟ بيودينا البلد جوا طوالي؟”
“لا يا حاجة ماشين المطار.”
“طيب.”
المشوار كان بعيد، والمرة كانت متوترة شديد، لدرجة انه الشافع المفروض تكون شايلاه كان معلق بيده ورجله معظم المشوار.
“ماشين وين احنا؟ لسّع؟ أنا ما معاي جوازي ولا حاجة!”
“يا حاجّة ماشين المطار. انت حاجاتك مع منو؟”
“مع أم الولد دا، أنا ما بعرفها بس مسكت ليها ولدها دا ساكت.”
“طيب حنلاقيها هناك.”
“أنا ما بعرف البيت الماشة ليه، احنا ماشين البلد جوة طوالي؟”
“لا يا حاجّة ماشين المطاااااار المطار، ما ماشين البلد جوة. حنمشي المطار وبعد داك حيجي زول يسوقك من هناك. ماشة لي منو انت ؟”
“ماشي لولدي، هو في دبي.”
“اي بس ولدك دا حيلاقيكي في المطار هنا. أرفعي الولد ده حيقع منك!”
“طيب.”
وتستمر الرحلة، والكونتينر الراكبين فيه يخجّنا مرّة مرّة. شايفين مئات البوابات مارّة جنبنا بالشبابيك الفوقينا، لكن نفضل ماشين. المرة اللا كبيرة لا حاجة شغالة تتونّس وتهظر مع الهندي، ورفيقتي قاعدة بكل عظمة في كرسيها المتحرك وتعاين للمرة المشلّخة القاعدة جنبها بطرف عينها. في لحظة بنقبض البيبي في نص الهواء ونطلب من المرة المشلّخة للمرّة المليون انها تشيله زي الناس.
“ما كفى؟ مشينا كتير خلاص! ماشين وين احنا اصلو؟”
“ماشين المطار يا حاجّة.”
“خلاص كفى، مشينا كتير. خلاص وقف العربية دي! هي! يا هي! خلاص كلم السوّاق يوقف العربية!”
الجملة الأخيرة دي كانت موجّهة للهندي.
“أوكي ماما في معلوم نو بروبليم.”
“خلاص وقّفوا العربية دي نزلونا هنا!”
رفيقتي تعاين لجاراتها وتعاين لي بنظرة معناتها: المرة دي جادّة؟؟
بنحاول نشرح للمرة اننا ما زلنا جوة المطار وانه حينزلونا في محل الجوازات وحتلاقي أم البيبي تسلمها شافعها وتستلم جوازها، تمر بكل سلاسة عبر الجوازات وتلاقي ولدها منتظرها بالجهة التانية. نظرة الرعب العلى وشّها بتوحي لينا انها ما سامعانا زاتو بنقول ليها في شنو.
“هي! وقّف العربية دي! وقّف هنا! خلاص كفى!”
النظرة العلى وش رفيقتي المرة دي بتقول: أجي ياخواني؟؟؟ وفي الوقت دا بيكون الضحك خلاص غلبني، واتذكرت موقف مشابه لبنوتة صغيرة بتبكي على شنطتها الحمراء الضايعة بتاعة هلو كيتي، ممغوسة زي مغسة المرة دي القايلة روحها محبوسة جوة الكونتينر الماشي في نص الهواء دا الديرين يختطفوها بيهو ولا حاجة.
“يا هوي! نزلنا هنا!” تاح تاح تاح (تضرب الحيطة الوراها)، أتّقول كان نزلوها حتعرف أصلا تمشي وين!
في النهاية وقفنا طبعا، وشلت منها البيبي اللذيذ اللي فضل نايم طوال الرحلة المشوّقة دي وما جايب خبر الفوضى الحاصلة حوالينه، ونزّلونا في الأرض ولاقينا أم البيبي في الباب وسلّمناها الشخصيتين الاتنين، وشرحنا للموظفين انهم ماشين دبي بما انه مافي زول في المجموعة (لا أم الولد وأكيد لا المرة المشلخة) بيتكلم انجليزي. بعد داك قمنا طايرين انا ورفيقتي من ترمينال 3 لحدي ترمينال 1 مع وقفة صغيرة للحمام، ويا دوب حصّلنا الطيارة التانية. للأسف (أو ما للأسف) قعدونا بعاد من بعض المرّة دي، فما سمعت قصص زيادة عن منو القال شنو ومتين وفي شان شنو، لحدي ما وصلنا عمان، واستلمنا عفشنا وسلمنا المرة لبتها المنتظراها بفارغ الصبر مع زوجها (نفس الزوج الكان فتح الباب لأخو البت بهدومو الداخلية والملاية قبل عدة سنوات).
اكتشفت عدة اكتشافات في الرحلة دي. انو أول حاجة أحسن طريقة تنط الصف وما تقيف مية سنة منتظر دورك انه يكون معاك زول كبير في كرسي متحرك. وتانيا انو المضيفين في الطيارة بياكلوا اكل ناس درجة أولى بعد ما الركاب ينزلوا (والله شفت واحد فيهم بيجغم العصير من الكرتونة طوالي لخشمه). وانه، وبالنظر الى كمية الشفع الشفتهم في الرحلة دي، فإن المجتمع ماشي أصغر وليس أكبر زي ما الناس بتتدعي. وانه الطيارات دي طول عمرها مرض وحتفضل مرض والإقلاع والمطبات الهوائية دي عمري ما حاتعود عليها حتى كان ركبت طيارة كل يوم لحدي يوم الحساب.
سفرية سودانية كلاسيكية
This has brought back many amusing memories from home. Thanks for sharing!
هههه الله يجازي محنك علي قول حبوباتنا بضحك باعلي صوت الساعه تلاته ونص صباحا بسببك